يصعب الأمر عند الحديث عن “العمالة الجنسية” في صفوف الطالبات، مقارنة بالعمالة الجنسية العادية، وترجع هذه الصعوبة إلى الفئة المعنية بهذا الأمر وهي فئة الطالبات، فمن المفروض أن تكون هذه الشريحة من المجتمع نخبته في المستقبل، لكن نجد بعض الطالبات ينحين منحى هذه “المهنة ”.
عدم الرضا عن المستوى المعيشي البسيط والرغبة في الارتقاء بأي طريقة كانت، قد يدفع بعض الفتيات طالبات علم في الظاهر إلى امتهان أقدم مهنة في التاريخ “الدعارة” يقدمن لزبائنهن ما يبحثون عنه من لذة مقابل مبالغ مالية، قد يتساءل البعض هل هن ضحايا الظروف والفقر؟ أم هو الطيش والرغبة في حياة أفضل؟
“أندلس بريس” استطاعت بعد جهد جهيد أن تقتحم عالمهن، و التقت بأربع طالبات يمتهن البغاء بالليل، و كشفن لنا عن قصصهن المؤلمة و كيف ولجنا هذا العالم الذي يكتنز كوكبة من الأسرار و المعاناة.
طالبات بالنهار عاهرات بالليل.. اعترافات
لطيفة..الضغط الأسري و الفقر سبب محنتي
قبلت لطيفة الحديث عن تجربتها، بعد محاولات متكررة داخل شقتها التي تكتريها بإحدى العمارات بشارع علال الفاسي بمراكش، و هي ذات 24 ربيعا، طالبة جامعية منحدرة من نواحي مدينة اليوسفية، “إمتهنت الدعارة منذ أيام الدراسة بالثانوي”، تلقي اللوم في كل مناسبة على الضغط الأسري والفقر، و تقول أن خيطا رفيعا جدا يربطها بعائلتها وهي مستعدة لقطعه في أية لحظة.
تتذكر بكثير من الألم في صغرها كانت تتعرض للعنف من طرف أب سلطوي لدرجة أنه طردها من المنزل لمدة أسبوع، حتى تدخل الأهل والجيران فسمح لها بالعودة ولأنها مازالت تحت الضغط الأسري (الأب والإخوة الذكور) كل هذه الظروف والضغوطات جعلتها تتمرد في محاولتها للخلاص من العنف الجسدي والنفسي من طرف الأسرة، جعلها تتشبث بكل عابر سبيل عله يتزوجها ويكون هو الخلاص.
دخلت في عدة علاقات فاشلة لسنوات وخلال هذه العلاقات كانت تمارس الدعارة بشكل سري وغير ظاهر مؤخرا تعرفت على شاب لمدة سنتين تقول و كان وراء افتضاض بكارتها وحملها لتدخل بعد ذلك في صراعات لا نهاية لها معه انتهت بهم بالمثول أمام القضاء.
رغبتها بالزواج به بطريقة أو بأخرى دفعتها للجوء للشعوذة وطقوس غريبة ولكي تحصل على أموال إضافية اختارت الربح السريع لتلج عالم الدعارة.
في محاولة منها لإعطاء تفسير عن حالتها تقول لطيفة بقبعة الطالبة الجامعية: “إن انعدام الروابط الأسرية المبنية بالأساس على الحب والاحترام والتربية السليمة بعيدا عن العنف والدراسة دون وعي لأنه أبدا لا يمكن قياس وعي الإنسان بالشهادات سيخرج لنا بالنهاية إنسانة فاشلة وعالة على المجتمع بدل أن تكون فاعلة و مؤثرة داخل مجتمعها”.
فاطمة.. ظروفي لم تكن مبرر لبيع مبادئي على طاولة السكارى
“لعل سوء الحظ كان يلاحقني منذ أن كنت لا أزال مجرد نطفة في بطن أمي فأثناء حمل والدتي بي اكتشفت إصابتها بورم خبيث في الدماغ كان الورم منتشر وفي مراحل متقدمة،
وبعد وضعي بثماني شهور توفيت والدتي ويا ليت معاناتي انتهت عند هذا الحد فبعد وفاة والدتي أخذني جدي لبيته و تزوج والدي من امرأة أخرى لتكون الزوجة السابعة له وبعد سنتين توفي جدي وأخذتني خالتي لتربيني مع أولادها وفي السن السادسة سأعود لبيت والدي”، هكذا تحدث إلينا فاطمة وهي تسترجع شريط الأحداث بالجامعة و كيف تم إفتضاض بكارتها، و رغم ذلك لم تنحني منحى الأخريات.
و تقول: “معاملة أبي السيئة لي ولإخوتي جعلتهم يتركون البيت وهذا ما كانت تسعى له زوجة أبي، عانيت الأمرين فقدان والدتي الذي كان له أثر كبير على نفسيتي ومعاملة أبي وزوجته السيئة لي، كان لي منفذ وحيد للخلاص من كل هاته المعاناة وهو الاجتهاد في الدراسة، كان طموحي أكبر من واقعي البئيس وفعلا كنت أحصل دائما على نقط عالية مكنتني من الالتحاق بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة شعبة الفيزياء”.
“وما إن اقتربت من تحقيق حلمي والخلاص نهائيا من الماضي الأسود الذي يلاحقني وبالضبط في سنتي الأخيرة بالجامعة، تعرفت بالصدفة ذات مساء على شاب ينحدر من مدينة مكناس ويشتغل بالجرف الأصفر بالجديدة كان طيبا معي لدرجة كبيرة فقد وجدت فيه عطف الأب وحنان الأم الذي افتقدته منذ ولادتي”.
“أحببته لدرجة تخليت معه عن مبادئي ووافقت أن أرافقه لشقة يكتريها بنفس المدينة ولسوء حظي سأحمل منه طفلا منذ أول علاقة جنسية رغم أننا مارسنا الجنس سطحيا لأني حينها كنت ما أزال عذراء”.
“نزل خبر الحمل كالصاعقة علي، أية لعنة هاته تطاردني، أخبرته بالخبر في اليوم الموالي، لم تبدوا عليه علامات الاستغراب، بل بدا هادئا ومتعقلا حينها أخبرني أنه يثق بي وأنه سوف يتزوجني ولن يتخلى عني”.
“صدقته مضطرة، لأنني كنت أود التخلص من الجنين كي لا يفتضح أمري ويكون مصيري الموت على يد إخوتي ووالدي وبعد عدة محاولات فاشلة لإجهاضه، نجحت أخيرا في التخلص منه خلال فترة حملي، كان بجانبي وساندني لكن بعد أن أنزلت الطفل تركني ورحل ولم يفي بأي من وعوده لي لعله سوء حظي مرة أخرى، وللمرة الألف أجد نفسي وحيدة كما ولدت وحيدة الجميع بالنهاية تخلى عني”.
“مررت بظروف صعبة جدا، ووجدت نفسي في أزمة مادية لا أول لها ولا آخر وبدأت بالبحث عن عمل إلى أن وجدت عملا بأحد محلات الملابس وبعدها اشتغلت بأحد مصانع الجرف الأصفر ورغم كل الإغراءات التي كانت حولي ورغم أني فقدت عذريتي لم أشأ أبدا امتهان تلك المهنة الحقيرة “الدعارة” وحافظت على ما بقي لي من طهر..ربما ظروفي صعبة جدا لكني كنت رافضة تماما أن أبيع مبادئي على طاولة السكارى”، تؤكد فاطمة.
رأي علم الإجتماع في الظاهرة
“أندلس بريس” وفي جزئها الأخير ارتأت أن تفتح الباب لأسئلة تطرح نفسها بإلحاح، مع الإستاذ عبد الحكيم الزاوي، أستاذ باحث في علم الإجتماع بجامعة القاضي عياض، من أجل مقاربة ما يمكن تسميته بـ”الظاهرة” ظاهرة طالبات علم في النهار وعاملات جنس بالليل..
بداية هل هناك أبحاث سوسيولوجية ودراسات ترصد بالدراسة والتحليل ظاهرة تعاطي الطالبات لمهنة الدعارة؟
طرح سؤال الاستوغرافيا في هذا الموضوع بالذات، والذي قد يتوجس منه البعض، باعتباره يقع في خط التماس مع الطابوهات القابعة ضمن أقبية النسيان، بمقتضى حضور ثنائية المقدس والمدنس، كثنائية مهيكلة للتصورات المجتمعية، هذا الوضع، يجرني إلى العودة نحو المنجز السوسيوتاريخي الذي اهتم بتيمة الجسد داخل الفضاء المغربي، وهو منجز عميق ومهم في آن واحد، وتحضرني هنا دراسات مرجعية لكل من الباحث السوسيولوجي عبد الصمد الديالمي والراحلة فاطمة المرنيسي وفريد الزاهي وغيرهم، وخارج الفضاء المغربي، تلتمع أسماء وازنة من خلال أعمال كل من المصرية نوال السعداوي، وروايات للأديبة اللبنانية المثيرة للجدل جمانة حداد وأخريات، ولعل الملاحظة التي تسترعي بالانتباه، أن هذا المنجز تهيمن عليه نزعة نسوية واضحة، وهو ما يفسر سيكولوجيا رغبة النساء في التحرر الوجداني من باطرياركية ذكورية، تخنقها في الهامش والمهمش.
من جانب آخر، يحضر الجسد كتيمة سياسية من خلال الباحثة المغربية هند عروب، رئيسة مركز هيباتيا الاسكندرية ببلاد العم سام، من خلال اهتمامها بالجسد السلطوي، وهي التي حاولت تفكيك الجسد السلطوي، كجسد روح ومادي، يعبر عن ميتولوجيات انطلاقا من تنظيرات الفيلسوف الألماني ارنست كونترفيتش.
أما إذا ما أردت أن أحدد لكم دراسات امبريقية خاصة بالموضوع، انطلاقا من معاينات مونوغرافية محددة، مضبوطة في الزمان والمكان، فالأمر يجعلني أتوقف عند نثف متفرقة، هنا وهنالك، ويصعب الاستظهار بها أكاديميا، ما دامت مرقونة وغير منشورة، وهي في الواقع عميقة، ما عدا إذا جاد الحظ على الباحث في الحصول عليها، ومهما بلغ الأمر، فلغة السوسيوولجي تنحصر في معايناته الميدانية وقياساته الكمية للنوزال الاجتماعية، وفقا لمناهج البحث المتعارف عليها في هذا الصدد، من أجل تفكيك إواليات اشتغال الظاهرة وميكانيزمات تبلورها في الواقع.
في نظركم، ماهي الدوافع والأسباب من منظوركم التي تدفع الطالبات الجامعيات إلى اللجوء نحو الدعارة؟
أعتقد أن تشخيص الأسباب والدوافع وراء لجوء الطالبات الجامعيات إلى الدعارة أمر مركب، ومتحول من سياق لآخر، واقع تتداخل فيه مستويات متعددة، ولا أود أن أستعرضها لأنها فارضة لنفسها، في مقابل ذلك، أجد نفسي مضطرا إلى ممارسة نوع من التحليل النفساني لفهم صورة استدماج المرأة للجسد، من خلال وجود صور متناقضة حول ذلك: تحضر المرأة الأم باعتبارها تمثل صورة الحنان والعطف ورمز التناسل، وصورة المرأة العاهرة التي تقود نحو الرذيلة ،صديقة الشيطان، التي يجتهد الكل في البحث عنها من أجل تحقيق اللذة واشباع الغريزة، هذا العطب الوجودي الذي يستدمج صورتين متضادتين في جسد واحد، هو الذي يستحكم في الثقافة العامة التي تحيط بالمرأة، ويربيها على الخوف من الجسد، كثقل رمزي ومادي يحاصر كينونتها، ويزيد الاشهار الذي يخاطب الاستيهامات الانتشائية بفانتزماته في تزكية هذه الصورة، أو كما يسميه جان زيغلير ب”الخصي النفسي”، الذي يخلف نساء يعتبرن أن الرجل خَمَّاسا لدى رغباتهن، وشخصيا أميل إلى تحليلات الباحث المغربي محمد منير الحجوجي التي أوردها في كتابه “القوات الاديولوجية المسلحة” التي اعتبر فيها المرأة جذر الشر الرأسمالي، بما تساهم فيه من انتاج للإعاقات الاجتماعية.
نعرف أن السوسيولوجي في كثير من الأحيان لا يقدم حلولا بقدر ما يخلخل الظاهرة، لكن هل هناك حلول للحد من هذه الظاهرة التي تسيء لطالبات العلم؟
السوسيولوجيا كما تعارف عليها الابستمولوجيون هي علم تفكيك ومعاينة، علم فضح وتعرية بعبارة بول باسكون، ما يهم فيها هي جرأة الأسئلة المحرجة، والحلول تبقى عامة، مادامت تلامس مجمل النسق ككل، ووثائر تغيير البنى النفسية تظل بطيئة، ثم إن السوسيولوجي ليس في موقع صناعة القرار، وكلنا نعرف أن تدبير الدولة يكاد يكون تكنوقراطيا صرفا، وتحليلات آل الاجتماع ونظرائهم من باقي العلوم الانسانية المجاورة، تبقى خارج التنفيذ، في مشهد يؤكد كره الدولة الاستراتيجي لتوصيفات علماء الاجتماع، ومع ذلك لا بد من وضع تصورات عامة من أجل تقليص ظاهرة امتهان دعارة الطالبات، والتي في تقديري الخاص لا تخرج عن الاهتمام بالتربية والتنشئة الاجتماعية، من خلال مصالحة الانسان مع انهجاس الجسد وتمثلاته السكيزفرينية، وهو ما يحيل إلى ضرورة إدماج التربية الجنسية ضمن بيداغوجيات التربية الحديثة بشكل يتناسب مع قيم وأعراف المجتمع، وبضرورة تغيير النظرة الذكورية تجاه المرأة، ونظرة المرأة تجاه نفسها.
عن أندلس بريس